كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثُمَّ إِنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ فِي مَيْلِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى إِلَى الْآخَرِ الْمَيْلَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الزَّوَاجِ هِيَ التَّنَاسُلُ الَّذِي يُحْفَظُ بِهِ النَّوْعُ، كَمَا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي شَهْوَةِ التَّغَذِّي هِيَ حِفْظُ الشَّخْصِ. وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُسْتَعِدَّةً لِلنَّسْلِ نِصْفَ الْعُمُرِ الطَّبِيعِيِّ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ مِائَةُ سَنَةٍ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قُوَّةَ الْمَرْأَةِ تَضْعُفُ عَنِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْخَمْسِينَ فِي الْغَالِبِ، فَيَنْقَطِعُ دَمُ حَيْضِهَا وَبُوَيْضَاتُ التَّنَاسُلِ مِنْ رَحِمِهَا، وَالْحِكْمَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْأَطِبَّاءُ أَعْلَمُ بِتَفْصِيلِهَا، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأَكْثَرَ مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ نِصْفُ عُمُرِ الرِّجَالِ الطَّبِيعِيِّ فِي الْأُمَّةِ مُعَطَّلًا مِنَ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الزَّوَاجِ، إِذَا فُرِضَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتَرِنُ بِمَنْ تُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ، وَقَدْ يَضِيعُ عَلَى بَعْضِ الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَاشَ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ كَمَا يَضِيعُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَضِيعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ، وَهُوَ فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ بِمَنْ هِيَ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ يَضِيعُ عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَا عَسَاهُ يَطْرَأُ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ هَرَمٍ عَاجِلٍ، أَوْ مَوْتٍ قَبْلَ بُلُوغِ السِّنِّ الطَّبِيعِيِّ يَطْرَأُ مِثْلُهُ عَلَى النِّسَاءِ قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ، وَقَدْ لَاحَظَ هَذَا الْفَرْقَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ فَقَالَ: لَوْ تَرَكْنَا رَجُلًا وَاحِدًا مَعَ مِائَةِ امْرَأَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً لَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِ فِي السَّنَةِ مِائَةُ إِنْسَانٍ، وَأَمَّا إِذَا تَرَكْنَا مِائَةَ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةً كَامِلَةً فَأَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِمْ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَا تُنْتِجُ أَحَدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ يُفْسِدُ حَرْثَ الْآخَرِ. وَمَنْ لَاحَظَ عِظَمَ شَأْنِ كَثْرَةِ النَّسْلِ فِي سُنَّةِ الطَّبِيعَةِ، وَفِي حَالِ الْأُمَمِ يَظْهَرُ لَهُ عِظَمُ شَأْنِ هَذَا الْفَرْقِ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ ثَانِيَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَوَالِيدَ مِنَ الْإِنَاثِ أَكْثَرُ مِنَ الذُّكُورِ فِي أَكْثَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ تَرَى الرِّجَالَ عَلَى كَوْنِهِمْ أَقَلَّ مِنَ النِّسَاءِ يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَالِاشْتِغَالِ عَنِ التَّزَوُّجِ أَكْثَرُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنِّسَاءِ، وَمُعْظَمُ ذَلِكَ فِي الْجُنْدِيَّةِ وَالْحُرُوبِ، وَفِي الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الزَّوَاجِ، وَنَفَقَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَبُ مِنْهُمْ فِي أَصْلِ نِظَامِ الْفِطْرَةِ، وَفِيمَا جَرَتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ الشُّعُوبِ، وَالْأُمَمِ إِلَّا مَا شَذَّ، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ الْمُسْتَعِدِّ لِلزَّوَاجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اضْطَرَّتِ الْحَالُ إِلَى تَعْطِيلِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَمَنْعِهِنَّ مِنَ النَّسْلِ الَّذِي تَطْلُبُهُ الطَّبِيعَةُ وَالْأُمَّةُ مِنْهُنَّ وَإِلَى إِلْزَامِهِنَّ مُجَاهَدَةَ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِي طَبِيعَتِهِنَّ، وَذَلِكَ يُحْدِثُ أَمْرَاضًا بَدَنِيَّةً، وَعَقْلِيَّةً كَثِيرَةً يُمْسِي بِهَا أُولَئِكَ الْمِسْكِينَاتُ عَالَةً عَلَى الْأُمَّةِ، وَبَلَاءً فِيهَا بَعْدَ أَنْ كُنَّ نِعْمَةً لَهَا، أَوْ إِلَى إِبَاحَةِ أَعْرَاضِهِنَّ وَالرِّضَا بِالسِّفَاحِ.
وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَائِبِ عَلَيْهِنَّ- لاسيما إِذَا كُنَّ فَقِيرَاتٍ- مَا لَا يَرْضَى بِهِ ذُو إِحْسَاسٍ بَشَرِيٍّ، وَإِنَّكَ لَتَجِدُ هَذِهِ الْمَصَائِبَ قَدِ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ حَتَّى أَعْيَا النَّاسَ أَمْرُهَا، وَطَفِقَ أَهْلُ الْبَحْثِ يَنْظُرُونَ فِي طَرِيقِ عِلَاجِهَا فَظَهَرَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِلَاجَ الْوَحِيدَ هُوَ إِبَاحَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ.
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنِ ارْتَأَى هَذَا الرَّأْيَ غَيْرُ وَاحِدَةٍ مِنْ كَاتِبَاتِ الْإِنْكِلِيزِ، وَقَدْ نَقَلْنَا ذَلِكَ عَنْهُنَّ فِي مَقَالَةٍ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الرَّابِعِ مِنَ الْمَنَارِ (تُرَاجَعُ فِي ص741 مِنْهُ)، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا عَجِيبًا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَنْفِرْنَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ طَبْعًا، وَهُنَّ يَحْكُمْنَ بِمُقْتَضَى الشُّعُورِ، وَالْوِجْدَانِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْكُمْنَ بِمُقْتَضَى الْمَصْلَحَةِ، وَالْبُرْهَانِ، بَلْ إِنَّ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ صَارَتْ مَسْأَلَةً وِجْدَانِيَّةً عِنْدَ رِجَالِ الْإِفْرِنْجِ تَبَعًا لِنِسَائِهِمْ حَتَّى لَا تَجِدَ الْفَيْلَسُوفَ مِنْهُمْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْحَثَ فِي فَوَائِدِهَا، وَفِي وَجْهِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا بَحْثَ بَرِيءٍ مِنَ الْغَرَضِ- طَالِبٍ كَشْفَ الْحَقِيقَةِ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ ثَالِثَةٌ.
وَأَنْتَقِلُ بِكَ مِنْ هَذَا إِلَى اكْتِنَاهِ حَالِ الْمَعِيشَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَأُشْرِفُ بِكَ عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْكَافِلَ لِلْمَرْأَةِ، وَسَيِّدَ الْمَنْزِلِ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ، وَعَقْلِهِ، وَكَوْنِهِ أَقْدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالدِّفَاعِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [4: 34] وَأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُدَبِّرَةَ الْمَنْزِلِ، وَمُرَبِّيَةَ الْأَوْلَادِ لِرِقَّتِهَا، وَصَبْرِهَا، وَكَوْنِهَا كَمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ وَاسِطَةً فِي الْإِحْسَاسِ وَالتَّعَقُّلِ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالطِّفْلِ، فَيَحْسُنُ أَنْ تَكُونَ وَاسِطَةً لِنَقْلِ الطِّفْلِ الذَّكَرِ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلرُّجُولَةِ وَلِجَعْلِ الْبِنْتِ كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اللُّطْفِ وَالدَّعَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِعَمَلِهَا الطَّبِيعِيِّ.
وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْبَيْتَ مَمْلَكَةٌ صُغْرَى كَمَا أَنَّ مَجْمُوعَ الْبُيُوتِ هُوَ الْمَمْلَكَةُ الْكُبْرَى، فَلِلْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ إِدَارَةُ نِظَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ، وَلِلرَّجُلِ مَعَ الرِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ إِدَارَةُ نِظَارَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَالْأَشْغَالِ الْعُمُومِيَّةِ، وَالْحَرْبِيَّةِ، وَالْخَارِجِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ نِظَامِ الْفِطْرَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَيِّمَةَ الْبَيْتِ، وَعَمَلُهَا مَحْصُورًا فِيهِ لِضَعْفِهَا عَنِ الْعَمَلِ الْآخَرِ بِطَبِيعَتِهَا، وَبِمَا يَعُوقُهَا مِنَ الْحَبَلِ، وَالْوِلَادَةِ، وَمُدَارَاةِ الْأَطْفَالِ، وَكَانَتْ بِذَلِكَ عَالَةً عَلَى الرَّجُلِ كَانَ مِنَ الشَّطَطِ تَكْلِيفُهَا الْمَعِيشَةَ الِاسْتِقْلَالِيَّةَ بَلْهَ السِّيَادَةَ، وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَمَاذَا نَعْمَلُ، وَالنِّسَاءُ (قَدْ يَكُنَّ) أَكْثَرَ مِنَ الرِّجَالِ عَدَدًا؟ أَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ أَنْ يُبَاحَ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ كَفَالَةُ عِدَّةِ نِسَاءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ لاسيما فِي أَعْقَابِ الْحُرُوبِ الَّتِي تَجْتَاحُ الرِّجَالَ، وَتَدَعُ النِّسَاءَ لَا كَافِلَ لِلْكَثِيرِ مِنْهُنَّ وَلَا نَصِيرَ؟ وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ فِي خَارِجِ الْمَنْزِلِ يَتَيَسَّرُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى أَعْمَالِهِ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْمَنْزِلَ لَا يَشْمَلُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى مُسَاعَدَةٍ لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَعْمَالِهَا الْكَثِيرَةِ كَمَا تَقْضِي قَوَاعِدُ عِلْمِ الِاقْتِصَادِ فِي تَوْزِيعِ الْأَعْمَالِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسَاعِدُهَا فِي الْبَيْتِ مِنَ الرِّجَالِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، فَمِنَ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ عِدَّةُ نِسَاءٍ مَصْلَحَتُهُنَّ عِمَارَتُهُ- كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ رَابِعَةٌ.
وَإِذَا رَجَعْتَ مَعِي إِلَى الْبَحْثِ فِي تَارِيخِ النُّشُوءِ فِي الزَّوَاجِ، وَالْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ)، أَوْ فِي الِازْدِوَاجِ، وَالْإِنْتَاجِ تَجِدُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ يَكْتَفِي بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَحَلٍّ لِبَيَانِ السَّبَبِ الطَّبِيعِيِّ فِي ذَلِكَ، بَلْ ثَبَتَ بِالْبَحْثِ أَنَّ الْقَبَائِلَ الْمُتَوَحِّشَةَ كَانَ فِيهَا النِّسَاءُ حَقًّا مُشَاعًا لِلرِّجَالِ بِحَسَبِ التَّرَاضِي، وَكَانَتِ الْأُمُّ هِيَ رَئِيسَةَ الْبَيْتِ إِذِ الْأَبُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْغَالِبِ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ كُلَّمَا ارْتَقَى يَشْعُرُ بِضَرَرِ هَذَا الشُّيُوعِ، وَالِاخْتِلَاطِ، وَيَمِيلُ إِلَى الِاخْتِصَاصِ، فَكَانَ أَوَّلَ اخْتِصَاصٍ فِي الْقَبِيلَةِ أَنْ يَكُونَ نِسَاؤُهَا لِرِجَالِهَا دُونَ رِجَالِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى، وَمَا زَالُوا يَرْتَقُونَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى اخْتِصَاصِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ بِعِدَّةِ نِسَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ حَسَبَ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ، فَانْتَقَلَ بِهَذَا تَارِيخُ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) إِلَى دَوْرٍ جَدِيدٍ صَارَ فِيهِ الْأَبُ عَمُودَ النَّسَبِ، وَأَسَاسَ الْبَيْتِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَلْمَانِ، وَالْإِنْكِلِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كُتُبٍ لَهُمْ فِي تَارِيخِ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ)، وَمِنْ هُنَا يَذْهَبُ الْإِفْرِنْجُ إِلَى أَنَّ نِهَايَةَ الِارْتِقَاءِ هُوَ أَنْ يُخَصَّ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبُيُوتِ، وَلَكِنْ مَاذَا يَقُولُونَ فِي الْعَوَارِضِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُلْجِئُ إِلَى أَنْ يَكْفُلَ الرَّجُلُ عِدَّةً مِنَ النِّسَاءِ لِمَصْلَحَتِهِنَّ، وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، وَلِاسْتِعْدَادِهِ الطَّبِيعِيِّ لِذَلِكَ، وَلِيُخْبِرُونَا هَلْ رَضِيَ الرِّجَالُ بِهَذَا الِاخْتِصَاصِ، وَقَنَعُوا بِالزَّوَاجِ الْفَرْدِيِّ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَى الْيَوْمِ؟ أَيُوجَدُ فِي أُورُبَّا فِي كُلِّ مِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا يَزْنِي؟ كَلَّا. إِنَّ الرَّجُلَ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ، وَمَلَكَاتِهِ الْوِرَاثِيَّةِ لَا يَكْتَفِي بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِذِ الْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدَّةً لِغِشْيَانِ الرَّجُلِ إِيَّاهَا، كَمَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدَّةً لِثَمَرَةِ هَذَا الْغِشْيَانِ وَفَائِدَتِهِ، وَهُوَ النَّسْلُ فَدَاعِيَةُ الْغِشْيَانِ فِي الرَّجُلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَكِنَّ قَبُولَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ مَحْصُورٌ فِي أَوْقَاتٍ، وَمَمْنُوعٌ فِي غَيْرِهَا، فَالدَّاعِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ فِي الْمَرْأَةِ لِقَبُولِ الرَّجُلِ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ اعْتِدَالِ الْفِطْرَةِ عَقِبَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَحَالِ الْحَمْلِ وَالْإِثْقَالِ فَتَأْبَى طَبِيعَتُهَا ذَلِكَ. وَأَظُنُّ أَنَّهُ لَوْلَا تَوْطِينُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى إِرْضَاءِ الرَّجُلِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَهُ، وَلَوْلَا مَا يُحْدِثُهُ التَّذَكُّرُ وَالتَّخَيُّلُ لِلَذَّةٍ وَقَعَتْ فِي إِبَّانِهَا مِنَ التَّعَمُّلِ لِاسْتِعَادَتِهَا، وَلاسيما مَعَ تَأْثِيرِ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَاتِ الْعُمُومِيَّةِ لَكَانَ النِّسَاءُ يَأْبَيْنَ الرِّجَالَ فِي أَكْثَرِ أَيَّامِ الطُّهْرِ الَّتِي لَا يَكُنَّ فِيهَا مُسْتَعِدَّاتٍ لِلْعُلُوقِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ الْإِنْتَاجِ، وَمِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ اكْتِفَاءَ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُنْدَفِعًا بِطَبِيعَتِهِ إِلَى الْإِفْضَاءِ إِلَيْهَا فِي أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ هِيَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَعِدَّةٍ لِقَبُولِهِ أَظْهَرُهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ، وَالْإِثْقَالِ بِالْحَمْلِ، وَالنِّفَاسِ، وَأَقَلُّهَا ظُهُورًا أَيَّامُ الرَّضَاعِ لاسيما الْأَيَّامُ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا. وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذِهِ لِغَلَبَةِ الْعَادَةِ فِيهَا عَلَى الطَّبِيعَةِ، وَأَمَّا اكْتِفَاءُ الْمَرْأَةِ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ فِي طَبِيعَتِهَا، وَلَا لِمَصْلَحَةِ النَّسْلِ، بَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِذَلِكَ إِذْ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فِي حَالٍ مُسْتَعِدَّةً فِيهَا لِمُلَامَسَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ مَا دَامَا فِي اعْتِدَالِ مِزَاجِهِمَا، وَلَا نَذْكُرُ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَآدَابِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شُغْلٌ بِتَمْرِيضِ الْآخَرِ فِي وَقْتِ مُصَابِهِ عَنِ السَّعْيِ وَرَاءَ لَذَّتِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ مُحَقِّقِي الْأُورُبِّيِّينَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْأَزْوَاجِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَعْضِ الْقَبَائِلِ الْمُتَوَحِّشَةِ كَانَ سَبَبُهُ قِلَّةَ الْبَنَاتِ لِوَأْدِ الرِّجَالِ إِيَّاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ خَامِسَةٌ.
بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَجِلْ طَرْفَكَ مَعِي فِي تَارِيخِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تَجِدْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدِ ارْتَفَعَتْ إِلَى أَنْ صَارَ فِيهَا الزَّوَاجُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي تَكْوِينِ الْبُيُوتِ، وَالرَّجُلُ هُوَ عَمُودُ الْبَيْتِ، وَأَصْلُ النَّسَبِ، وَلَكِنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا بِعَدَدٍ، وَلَا مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ، وَكَانَ اخْتِلَافُ عِدَّةِ رِجَالٍ إِلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَدُّ مِنَ الزِّنَا الْمَذْمُومِ، وَكَانَ الزِّنَا عَلَى كَثْرَتِهِ يَكَادُ يَكُونُ خَاصًّا بِالْإِمَاءِ، وَقَلَّمَا يَأْتِيهِ الْحَرَائِرُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ تَتَبَضَّعَ مِنْ رَجُلٍ يُعْجِبُهَا ابْتِغَاءَ نَجَابَةِ الْوَلَدِ، وَالزِّنَا لَمْ يَكُنْ مَعِيبًا، وَلَا عَارًا صُدُورُهُ مِنَ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعَابُ مِنْ حَرَائِرِ النِّسَاءِ. وَقَدْ حَظَرَ الْإِسْلَامُ الزِّنَا عَلَى الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا حَتَّى الْإِمَاءِ، فَكَانَ يَصْعُبُ جِدًّا عَلَى الرِّجَالِ قَبُولُ الْإِسْلَامِ، وَالْعَمَلُ بِهِ مَعَ هَذَا الْحَجْرِ بِدُونِ إِبَاحَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاسْتُبِيحَ الزِّنَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُبَاحٌ فِي بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ سَادِسَةٌ.
وَلَا تَنْسَ مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ غَايَةَ التَّرَقِّي فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ وَسَعَادَةِ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) أَنْ يَكُونَ تَكَوُّنُ الْبَيْتِ مِنْ زَوْجَيْنِ فَقَطْ يُعْطِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ مِيثَاقًا غَلِيظًا عَلَى الْحُبِّ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالثِّقَةِ، وَالِاخْتِصَاصِ، حَتَّى إِذَا مَا رُزِقَا أَوْلَادًا كَانَتْ عِنَايَتُهُمَا مُتَّفِقَةً عَلَى حُسْنِ تَرْبِيَتِهِمْ لِيَكُونُوا قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمَا، وَيَكُونَا قُدْوَةً صَالِحَةً لَهُمْ فِي الْوِفَاقِ، وَالْوِئَامِ، وَالْحُبِّ، وَالْإِخْلَاصِ- فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ سَابِعَةٌ.
إِذَا أَنْعَمْتَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا وَعَرَفْتَ فَرْعَهَا، وَأَصْلَهَا تَتَجَلَّى لَكَ هَذِهِ النَّتِيجَةُ، أَوِ النَّتَائِجُ، وَهِيَ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالْحَيَاةِ الدِّينِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ غَايَةُ الِارْتِقَاءِ الْبَشَرِيِّ فِي بَابِهِ، وَالْكَمَالِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُرَبَّى النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَقْتَنِعُوا بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَحُولُ دُونَ أَخْذِ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِهِ، وَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى كَفَالَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لِأَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِمَصْلَحَةِ الْأَفْرَادِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ عَاقِرٍ فَيَضْطَرُّ إِلَى غَيْرِهَا لِأَجْلِ النَّسْلِ، وَيَكُونُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، أَوْ مَصْلَحَتِهِمَا مَعًا أَلَّا يُطَلِّقَهَا، وَتَرْضَى بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهَا لاسيما إِذَا كَانَ مَلِكًا، أَوْ أَمِيرًا، أَوْ تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي سِنِّ الْيَأْسِ وَيَرَى الرَّجُلُ أَنَّهُ مُسْتَعِدٌّ لِلْإِعْقَابِ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِأَوَدِ غَيْرِ وَاحِدَةٍ، وَكِفَايَةِ أَوْلَادِ كَثِيرِينَ، وَتَرْبِيَتِهِمْ، أَوْ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي لِإِحْصَانِهِ لِأَنَّ مِزَاجَهُ يَدْفَعُهُ إِلَى كَثْرَةِ الْإِفْضَاءِ وَمِزَاجَهَا بِالْعَكْسِ، أَوْ تَكُونُ فَارِكًا مِنْشَاصًا (أَيْ تَكْرَهُ الزَّوْجَ)، أَوْ يَكُونُ زَمَنُ حَيْضِهَا طَوِيلًا يَنْتَهِي إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ، وَيَرَى نَفْسَهُ مُضْطَرًّا إِلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: التَّزَوُّجِ بِثَانِيَةٍ، أَوِ الزِّنَا الَّذِي يُضِيعُ الدِّينَ، وَالْمَالَ، وَالصِّحَّةَ، وَيَكُونُ شَرًّا عَلَى الزَّوْجَةِ مِنْ ضَمِّ وَاحِدَةٍ إِلَيْهَا مَعَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ فِي الْإِسْلَامِ؛ وَلِذَلِكَ اسْتُبِيحَ الزِّنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا التَّعَدُّدُ بِالْمَرَّةِ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَدُّدُ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ كَأَنْ تَكْثُرَ فِيهَا النِّسَاءُ كَثْرَةً فَاحِشَةً كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي مِثْلِ الْبِلَادِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ، وَفِي كُلِّ بِلَادٍ تَقَعُ فِيهَا حَرْبٌ مُجْتَاحَةٌ تَذْهَبُ بِالْأُلُوفِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الرِّجَالِ، فَيَزِيدُ عَدَدُ النِّسَاءِ زِيَادَةً فَاحِشَةً تَضْطَرُّهُنَّ إِلَى الْكَسْبِ، وَالسَّعْيِ فِي حَاجِ الطَّبِيعَةِ، وَلَا بِضَاعَةَ لِأَكْثَرِهِنَّ فِي الْكَسْبِ سِوَى أَبْضَاعِهِنَّ، وَإِذَا هُنَّ بَذَلْنَهَا فَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ مَا وَرَاءَ بَذْلِهَا مِنَ الشَّقَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا كَافِلَ لَهَا إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَى الْقِيَامِ بِأَوَدِ نَفْسِهَا، وَأَوَدِ وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ وَالِدٌ، وَلَاسِيَّمَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّةِ الرَّضَاعَةِ بَلِ الطُّفُولِيَّةِ كُلِّهَا، وَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ كَاتِبَاتِ الْإِنْكِلِيزِ بِوُجُوبِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ إِلَّا بَعْدَ النَّظَرِ فِي حَالِ الْبَنَاتِ اللَّوَاتِي يَشْتَغِلْنَ فِي الْمَعَامِلِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمَاكِنِ الْعُمُومِيَّةِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهُنَّ مِنْ هَتْكِ الْأَعْرَاضِ، وَالْوُقُوعِ فِي الشَّقَاءِ، وَالْبَلَاءِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُبِيحُ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ هِيَ ضَرُورَاتٌ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَكَانَ الرِّجَالُ إِنَّمَا يَنْدَفِعُونَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي الْغَالِبِ إِرْضَاءً لِلشَّهْوَةِ لَا عَمَلًا بِالْمَصْلَحَةِ، وَكَانَ الْكَمَالُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الْمَطْلُوبُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ- جُعِلَ التَّعَدُّدُ فِي الْإِسْلَامِ رُخْصَةً لَا وَاجِبًا، وَلَا مَنْدُوبًا لِذَاتِهِ، وَقُيِّدَ بِالشَّرْطِ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَأَكَّدَتْهُ تَأْكِيدًا مُكَرَّرًا فَتَأَمَّلْهَا.